فصل: حمل الجنازة والسير بها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.الصلاة على من قتل في حد:

من قتل في حد غسل وصلي عليه، لما رواه البخاري عن جابر: «أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا، فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال: أبك جنون؟ قال: لا قال: أحصنت؟ قال: نعم فأمر به فرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات فقال له - أي عنه - النبي صلى الله عليه وسلم خيرا وصلى عليه».
وقال أحمد: ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على الغال وقاتل نفسه.
الصلاة على الغال وقاتل نفسه وسائر العصاة ذهب جمهور العلماء إلى أنه يصلى على الغال وقاتل نفسه وسائر العصاة قال النووي: قال القاضي مذهب العلماء كافة: الصلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنا وما روي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على الغال وقاتل نفسه.
فلعله للزجر عن هذا الفعل كما امتنع عن الصلاة على المدين وأمرهم بالصلاة عليه.
قال ابن حزم: ويصلى على كل مسلم، بر، أو فاجر، مقتول في حد أو حرابة أو في بغي، ويصلي عليهم الإمام وغيره، وكذلك على المبتدع ما لم يبلغ الكفر وعلى من قتل نفسه وعلى من قتل غيره.
ولو أنه شر من على ظهر الأرض، إذا مات مسلما، لعموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «صلوا على صاحبكم» والمسلم صاحب لنا، قال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض} فمن منع الصلاة على مسلم، فقد قال قولا عظيما، وإن الفاسق لاحوج إلى دعاء إخوانه المؤمنين من الفاضل المرحوم!! وصح أن رجلا مات بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا على صاحبكم إنه قد غل في سبيل الله» قال: ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزا لا يساوي درهمين.
وصح عن عطاء أنه يصلى على ولد الزنا، وعلى أمه، وعلى المتلاعنين، وعلى الذي يقاد منه، وعلى المرجوم، وعلى الذي يفر من الزحف فيقتل.
قال عطاء: لا أدع الصلاة على من قال: لا إله إلا الله قال تعالى: {من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}.
وصح عن إبراهيم النخعي أنه قال: لم يكونوا يحجبون الصلاة عن أحد من أهل القبلة، والذي قتل نفسه يصلى عليه، وأنه قال: السنة أن يصلى على المرجوم.
وصح عن قتادة أنه قال: ما أعلم أحدا من أهل العلم اجتنب الصلاة عمن قال لا إله إلا الله، وصح عن ابن سيرين: ما أدركت أحدا يتأثم من الصلاة على أحد من أهل القبلة.
وعن أبي غالب: قلت لابي أمامة الباهلي: الرجل يشرب الخمر، أيصلى عليه؟ قال: نعم.
لعله اضطجع مرة على فراش فقال لا إله إلا الله فغفر له.
وصح عن الحسن أنه قال: يصلى على من قال: لا إلا إلا الله وصلى إلى القبلة إنما هي شفاعة.

.الصلاة على الكافر:

لا يجوز لمسلم أن يصلي على كافر، لقول الله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله} وقال: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه}.
وكذلك لا يصلى على أطفالهم لأن لهم حكم آبائهم إلا من حكمنا بإسلامه بأن يسلم أحد أبويه أو يموت أو يسبى منفردا من أبويه أو من أحدهما فإنه يصلى عليه.

.الصلاة على القبر:

تجوز الصلاة على الميت بعد الدفن في أي وقت، ولو صلي عليه قبل دفنه، وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين.
وعن زيد بن ثابت قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد، فسأل عنه؟ فقيل: فلانة، فعرفها، فقال: «ألا آذنتموني بها؟ قالوا: يارسول الله، كنت قائلا صائما، فكرهنا أن نؤذيك فقال: لا تفعلوا، لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه رحمة» ثم أتى القبر فصفنا خلفه وكبر عليه أربعا. رواه أحمد والنسائي والبيهقي والحاكم وابن حبان وصححاه.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق، وفي الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على القبر بعد ما صلى عليها أصحابه قبل الدفن، لأنهم ما كانوا ليدفنوها قبل الصلاة عليها.
وفي صلاة الاصحاب معه على القبر ما يدل على أن ذلك ليس خاصا به صلوات الله عليه.
قال ابن القيم: ردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها» وهذا حديث صحيح، والذي قاله هو الذي صلى على القبر فهذا قوله وهذا فعله، ولا يناقض أحدهما الآخر، فإن الصلاة المنهي عنها إلى القبر غير الصلاة التي على القبر، فهذه صلاة الجنازة على الميت التي لا تختص بمكان، بل فعلها في غير المسجد أفضل من فعلها فيه، فالصلاة عليه على قبره من جنس الصلاة عليه على نعشه، فإنه المقصود بالصلاة في الموضعين، ولا فرق بين كونه على النعش، وعلى الأرض وبين كونه في بطنها بخلاف سائر الصلوات، فإنها لم تشرع في القبور، ولا إليها لأنها ذريعة إلى اتخاذها مساجد، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك، فأين ما لعن فاعله وحذر منه؟ وأخبر أن أهله شرار الخلق كما قال: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد» إلى ما فعله صلى الله عليه وسلم مرارا متكررة.

.الصلاة على الغائب:

تجوز الصلاة على الغائب في بلد آخر، سواء أكان البلد قريبا أم بعيدا، فيستقبل المصلي القبلة، وإن لم يكن البلد الذي به الغائب جهة القبلة، ينوي الصلاة عليه، ويكبر ويفعل مثل ما يفعل في الصلاة على الحاضر، لما رواه الجماعة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف أصحابه وكبر أربع تكبيرات قال ابن حزم: ويصلى على الميت الغائب بإمام وجماعة، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي رضي الله عنه، ومات بأرض الحبشة، وصلى معه أصحابه صفوفا، وهذا إجماع منهم لا يجوز تعديه.
وخالف في ذلك أبو حنيفة ومالك، وليس لهما حجة يمكن أن يعتد بها.

.الصلاة على الميت في المسجد:

لا بأس بالصلاة على الميت في المسجد، إذا لم يخش تلويثه، لما رواه مسلم عن عائشة قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد.
وصلى الصحابة على أبي بكر وعمر في المسجد بدون إنكار من أحد لأنها صلاة كسائر الصلوات.
وأما كراهة ذلك عند مالك وأبي حنيفة استدلالا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له» فهي معارضة بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه من جهة، ولضعف الحديث من جهة أخرى.
قال أحمد بن حنبل: هذا حديث ضعيف، تفرد به صالح مولى التوأمة، وهو ضعيف.
وصحح العلماء هذا الحديث فقالوا: إن الذي في النسخ الصحيحة المشهورة من سنن أبي داود بلفظ: «فلا شيء عليه» أي من الوزر.
قال ابن القيم: ولم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الراتب الصلاة على الميت في المسجد.
وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد، إلا لعذر، وربما صلى أحيانا على الميت كما صلى على ابن بيضاء، وكلا الأمرين جائز، والافضل الصلاة عليها خارج المسجد.

.الصلاة على الجنازة وسط القبور:

كره الجمهور الصلاة على الجنازة في المقبرة بين القبور.
روي ذلك عن علي وعبد الله بن عمرو وابن عباس.
وإليه ذهب عطاء والنخعي والشافعي وإسحق وابن المنذر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمام».
وفي رواية لأحمد: أنه لا بأس بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر وهو في المقبرة.
وصلى أبو هريرة على عائشة وسط قبور البقيع.
وحضر ذلك ابن عمر وفعله عمر بن عبد العزيز.
جواز صلاة النساء على الجنازة يجوز للمرأة أن تصلي على الجنازة مثل الرجل، سواء أصلت منفردة أو صلت مع الجماعة: فقد انتظر عمر أم عبد الله حتى صلت على عتبة.
وأمرت عائشة أن يؤتى بسعد بن أبي وقاص لتصلي عليه.
وقال النووي: وينبغي أن تسن لهن الجماعة كما في غيرها، وبه قال الحسن بن صالح وسفيان الثوري وأحمد والأحناف، وقال مالك: يصلين فرادى.

.أولى الناس بالصلاة على الميت:

اختلف الفقهاء فيمن هو أولى وأحق بالإمامة في صلاة الجنازة.
فقيل: أحق الناس الوصي، ثم الأمير، ثم الاب وإن علا، ثم الابن وإن سفل، ثم أقرب العصبة، وإلى هذا ذهبت المالكية والحنابلة، وقيل: الأولى الاب، ثم الجد، ثم ابن ثم ابن الابن، ثم الاخ، ثم ابن الاخ، ثم العم، ثم ابن العم على ترتيب العصبات.
وهذا مذهب الشافعي وأبي يوسف.
ومذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن أن الأولى: الوالي إن حضر، ثم القاضي، ثم إمام الجهة، ثم ولي المرأة الميت، ثم الاقرب فالاقرب على ترتيب العصبة، إلا الاب فإنه يقدم على الابن إذا اجتمعا.

.حمل الجنازة والسير بها:

يشرع في حمل الجنازة والسير بها أمور نذكرها فيما يلي:

.1- يشرع تشييع الجنازة وحملها:

والسنة أن يدور على النعش، حتى يدور على جميع الجوانب.
روى ابن ماجه والبيهقي وأبو داود الطيالسي عن ابن مسعود.
قال: من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها فإنه من السنة ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع.
وعن أبي سعيد: أن النبي قال: «عودوا المريض، وامشوا مع الجنازة تذكركم الاخرة» رواه أحمد ورجاله ثقات.

.2- الاسراع بها:

لما رواه الجماعة عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم».
وروى أحمد والنسائي وغيرهما عن أبي بكرة قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنكاد نرمل بالجنازة رملا.
وروى البخاري في التاريخ: أن النبي صلى الله عليه وسلم أسرع حتى تقطعت نعالنا يوم مات سعد بن معاذ.
قال في الفتح: والحاصل أنه يستحب الاسراع بها، لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة الميت أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا يتنافى المقصود من النظافة وإدخال المشقة على المسلم.
وقال القرطبي: مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن.
لان التباطؤ ربما أدى إلى التباهي والاختيال.

.3- المشي أمامها أو خلفها:

أو عن يمينها أو شمالها قريبا منها، وقد اختلف العلماء في أيهما.
فاختار الجمهور وأكثر هل العلم المشي أمامها وقالوا: إنه الافضل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمامها رواه أحمد وأصحاب السنن.
ويرى الأحناف أن الافضل للمشيع أن يمشي خلفها، لأن ذلك هو المفهوم من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنازة، والمتبع هو الذي يمشي خلف.
ويرى أنس بن مالك أن ذلك كله سواء.
لما تقدم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها».
والظاهر أن الكل واسع، وأنه من الخلاف المباح الذي ينبغي التساهل فيه.
فعن عبد الرحمن بن أبزى: أن أبا بكر وعمر كانا يمشيان أمام الجنازة وكان علي يمشي خلفها، فقيل لعلي: إنهما يمشيان أمامها.
فقال: إنهما يعلمان أن المشي خلفها أفضل من المشي أمامها، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذا، ولكنهما سهلان يسهلان للناس رواه البيهقي وابن أبي شيبة.
قال الحافظ: وسنده حسن.
وأما الركوب عند تشييع الجنازة فقد كرهه الجمهور إلا لعذر، وأجازوه بعد الانصراف بدون كراهة.
لحديث ثوبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع جنازة فأبى أن يركبها، فلما انصرف أتي بدابة فركب، فقيل له، فقال: «إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبت» رواه أبو داود والبيهقي والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع على فرس رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
ولا يعارض القول بالكراهة ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم «الراكب يمشي خلفها» فإنه يمكن أن يكون لبيان الجواز مع الكراهة.
ويرى الأحناف أنه لا بأس بالركوب، وإن كان الافضل المشي إلا من عذر، والسنة للراكب أن يكون خلف الجنازة للحديث المتقدم.
قال الخطابي في الراكب: لا أعلمهم اختلفوا في أنه يكون خلفها.

.ما يكره مع الجنازة:

يكره في الجنازة الاتيان بفعل من الافعال الاتية:

.1- رفع الصوت بذكر أو قراءة أو غير ذلك:

قال ابن المنذر: روينا عن قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث: عند الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال.
وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وأحمد وإسحاق قول القائل خلف الجنازة: استغفروا له.
قال الاوزاعي: بدعة.
قال فضيل بن عمرو: بينا ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلا يقول: استغفروا له غفر الله له.
فقال ابن عمر: لا غفر الله لك.
وقال النووي: واعلم أن الصواب ما كان عليه السلف من السكوت حال السير مع الجنازة، فلا يرفع صوت بقراءة، ولا ذكر ولا غيرهما، لأنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال.
فهذا هو الحق ولا تغتر بكثرة ما يخالفه، وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضعه فحرام بالاجماع.
وللشيخ محمد عبده فتوى في رفع الصوت بالذكر قال فيها: وأما الذكر جهرا أمام الجنازة ففي الفتح في باب الجنائز يكره للماشي أمام الجنازة رفع الصوت بالذكر، فإن أراد أن يذكر الله فليذكره في نفسه. وهذا أمر محدث لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعين ولا تابعيهم، فهو مما يلزم منعه.